الناس مع الواقف

يحكى أن الأسد ,ملك الوحوش ,أدركته الشيخوخة فغشي بصره ,وشح نظره فقبع في عرينه رهن وساوسه وشجونه .فأقبل عليه الثعلب يزوره وأقعى ( جلس ) قرب الباب ومدّ حديثا ,قال : (( قالت الحكماء : " إذا شحّت الأبصار ,عليكم بلحم الحمار ! انه يجلب العافية وينير الأعين الغاشية ,ويشدد الركب المتراخية " وقد عاينت ,في طريقي إليكم الآن ,حمارا سمينا متعافيا ,يرعى في مكان قريب ,فإذا راق لكم الأمر رافقتكم إليه ,فتنعمون بقلبه ولسانه ودماغه ,وهي خلاصة الخلاصات لإطالة الحياة ,وتتركون الفضلات لعبدكم الثعلب تعويضا لي عن إخلاصي لكم في أحرج الأوقات .))
فلملم الأسد ما تبقى من عزيمته ,ونهض ,ومشى إلى جانب الثعلب الذي راح يتملّق : " سلامة نظرك ,سيدي الأسد ! أنا فداك ,سيدي السبع ! حيّاك الله وبيّاك يا ملك الوحوش ! "
وعندما وصلا إلى حيث كان الحمار ,تبرع الثعلب بنصيحة إلى الأسد ,قال : " من الحكمة أن تأتيه من الوراء ,فتأخذه على حين غفلة ."
لكن الحمار ,هذه المرة ,لم يكن غافلا ,فتناول الأسد برفسة على صدغه ,وأخرى تحت أذنه ,فترنّح الأسد وسقط على الأرض مغشيا عليه .
وعندما بدأ يستعيد أنفاسه ,سمع الثعلب يقول : " صباح الخير يا سيدي الحمار ! ... لا شلّت يمنيك يا ابن أتان! .. أيّد الله عزّك أيها الجحش العظيم ,يا صاحب الصوت الرخيم ,والعقل السليم ,والظهر القويم ,والذيل الطويل المستقيم ! "
فانتفض الأسد ,وصاح : " وما هذا التبجيل والتفخيم ؟ "
أجاب الثعلب : " الناس مع الواقف إلى أن تنجلي المواقف ! "